لهذه الأسباب إسرائيل في طريقها إلى الهاوية 05.11.2024 06:50
قامت إسرائيل المحتلّة، وتمدّدت في طغيانها، بعد أن تمكّنت من هزيمة أربع دول عربية كبيرة مدعومة من أربع دول عربية أخرى في مواجهة حاسمة، أدّت إلى احتلال إسرائيل الناشئة الوليدة كامل فلسطين، وسيناء المصرية، والجولان السوري خلال 6 أيام، أو 6 ساعات في العام 1967.
السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (معركة طوفان الأقصى)، كان صادمًا للوعي الساكن والمستسلم لقوة إسرائيل وردعها المخيف، الذي بُني على دماء الفلسطينيين واللبنانيين والشعوب العربية خلال 75 سنة. فقد رسم الحدث علامة استفهام وجودية حول قوّة إسرائيل ومستقبلها، في وقت كانت تتأهب فيه لقيادة المنطقة العربية وزعامتها.
عملت إسرائيل المحتلة بكل قوّتها الطاغية المدعومة من واشنطن والمنظومة الغربية، للانتقام من الفلسطينيين، واسترداد ردعها المهدور، طوال عام مضى، إلا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في هزيمة الشعب الفلسطيني، وحركة حماس، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الذي
تحوّل إلى نزيف حاد في الوعي والردع الإسرائيلي.
هذا الواقع المر دفع إسرائيل للذهاب إلى لبنان؛ بحثًا عن نصر متخيّل، فخطّطت لإيقاع الهزيمة بحزب الله بالضربة القاضية عبر عمليات أمنية معقّدة؛ للتخلص من قيادة الحزب العسكرية والسياسية، لإحداث انهيار مباشر في جسمه، يُفضي إلى حسم المعركة عسكريًا مع الحزب ونزع سلاحه، ومن ثم التأثير على المعادلة السياسية الداخلية للبنان، وإعادة
هندسة الشرق الأوسط لاحقًا، كما أعلن وتمنّى بنيامين نتنياهو عقب
اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله في بيروت.
لكن إسرائيل سرعان ما فقدت نشوتها، بعد قيام إيران بضربتها الصاروخية المؤلمة لها في الأوّل من أكتوبر/تشرين الأول، ردًا على اغتيالها كلًا من إسماعيل هنية، وحسن نصر الله. فعادت إسرائيل إلى واقعها المعقّد، بعد أن ذهبت سكرة النصر المتوهّم ضد حزب الله، الذي سرعان ما استعاد زمام السيطرة والمبادرة وبدأ يهاجم إسرائيل بقوّة صاروخية بعمق 40 كيلومترًا شمال فلسطين، ويوقع خسائر فادحة في جنود الاحتلال وضباطه في جنوب لبنان الذي تحوّل إلى وحلٍ لجيش الاحتلال، الذي لم يتمكن إلى اللحظة من احتلال أي منطقة أو قرية وما زال يقاتل على الحافة الأمامية من الحدود اللبنانية الفلسطينية.
لعبة توازن الردع
قامت إسرائيل في 26 أكتوبر/تشرين الأول، بتوجيه ضربة باهتة إلى إيران، مقارنة بما هدّدت به، لا سيّما على لسان وزير حربها يوآف غالانت الذي توعّد إيران بضربة مفاجئة قاتلة غير متوقّعة.
في النهاية، وبعد تحضيرات قاربت الشهر، خضعت تل أبيب للسقف الأميركي الداعي لعدم استهداف البرنامج النووي لإيران ومنشآتها النفطية والاقتصادية، واقتصر ردّها على أهداف عسكرية؛ لتجنب استفزاز إيران واحتمال الدخول في حرب إقليمية أو حلقة من الردود المتبادلة، حتى لا يتأثر مسار الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، وتجد واشنطن نفسها غارقة في الشرق الأوسط بعيدًا عن مواجهة روسيا والصين الصاعدة عالميًا بقوّة.
استجابة إسرائيل للإرادة الأميركية جاءت لعدة أسباب إضافية أخرى، أهمها:
-
أولًا: جدّية إيران في الرد على أية ضربة قوية قد تستهدف برنامجها النووي أو منشآتها الاقتصادية والنفطية والبنى التحتية. هذه الجدية بُنيت على قوّة الضربة الأخيرة التي قامت بها إيران ضد أهداف حسّاسة في إسرائيل، ومنها المطارات العسكرية.
-
ثانيًا: تعافي حزب الله من موجة الاغتيالات التي طالت قادته السياسيين والعسكريين، وامتلاكه زمام المبادرة، وتصديه للاجتياح البري الإسرائيلي بنجاح، وتكبيده جيش الاحتلال خسائر فادحة في العدد والعتاد، هذا بالإضافة إلى قيام الحزب بضرب عمق الكيان بموجات صاروخية طالت مواقع عسكرية حتى جنوب حيفا بعمق 40 كيلومترًا بشكل يومي، مع استهداف محيط مدينة تل أبيب بين الفينة والأخرى، ما شكّل تهديدًا رادعًا لإسرائيل في حال أقدمت على ضربة كبيرة لإيران. خاصّة أن التقديرات تشي بأن الحزب ما زال يملك أوراق قوّة على مستوى الإمكانات الصاروخية، والقدرات القتالية غير المستخدمة بعد.
هذا يفسّر دوافع لجوء إسرائيل لضربة محدودة على إيران، ودون المستوى المرتقب، في محاولة منها لترميم الردع دون الحرب الإقليمية، في وقت خسر فيه نتنياهو فرصةَ ضرب البرنامج النووي الإيراني الذي طمح إليه بشراكة أميركية.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن إيران تقدّمت بالنقاط على إسرائيل في معادلة الردع